سورة الحديد - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحديد)


        


{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)}
أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وأنزلنا معهم الكتاب والميزان} قال: العدل.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} قال: جنة وسلاح.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {وأنزلنا الحديد} الآية قال: إن أول ما أنزل الله من الحديد الكلبتين والذي يضرب عليه الحديد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن الأيام فقال: السبت عدد، والأحد عدد، والاثنين يوم تعرض فيه الأعمال، والثلاثاء يوم الدم، والأربعاء يوم الحديد {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} والخميس يوم تعرض فيه الأعمال، والجمعة يوم بدأ الله الخلق وفيه تقوم الساعة.
قوله تعالى: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه} الآية.
أخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر من طرق «عن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله: قلت: لبيك يا رسول الله ثلاث مرات، قال: هل تدري أي عرا الإِيمان أوثق؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أوثق عرا الإِيمان الولاية في الله بالحب فيه والبغض فيه، قال: هل تدري أي الناس أفضل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أفضل الناس عملاً إذا تفقهوا في الدين، يا عبد الله هل تدري أي الناس أعلم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، وإن كان مقصراً بالعمل، وإن كان يزحف على استه، واختلف من كان قبلنا على اثنتين وسبعين فِرْقةً نجا منها ثلاث وهلك سائرها فُرْقَةً، وزت الملوك وقاتلتهم على دين الله وعيسى ابن مريم حتى قتلوا، وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بالمقام معهم، فساحوا في الجبال، وترهبوا فيها وهم الذين قال الله: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم} الذين آمنوا بي وصدقوني {وكثير منهم فاسقون} الذين كفروا بي وجحدوني».
وأخرج النسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت ملوك بعد عيسى بدلت التوراة والإِنجيل، فكان منهم مؤمنون يقرأون التوراة والإِنجيل فقيل لملوكهم: ما نجد شيئاً أشد من شتم يشتمنا هؤلاء انهم يقرؤون {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [ المائدة: 44] {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [ المائدة: 45] {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [ المائدة: 47] مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإِنجيل إلا ما بدلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك؟ دعونا، فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا اسطوانة ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئاً ترفع به طعامنا وشرابنا، ولا ترد عليكم، وقالت طائفة: دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونأكل مما تأكل منه الوحوش ونشرب مما تشرب فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا وقالت طائفة: ابنوا لنا ديوراً في الفيافي ونحتفر الآبار ونحرث البقول، فلا نَرِد عليكم ولا نمر بكم، وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم، ففعلوا ذلك فأنزل الله: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} قال: والآخرون ممن تعبد من أهل الشرك وفني من قد فني منهم قالوا: نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان ونتخذ ديوراً كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإِيمان الذين اقتدوا بهم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبق منهم إلا القليل انحط صاحب الصومعة من صومعته، وجاء السائح من سياحته وصاحب الدير من ديره، فآمنوا به وصدقوه، فقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته} أجرين بإيمانهم بعيسى ونصب أنفسهم والتوراة والإِنجيل، وبإيمانهم بمحمد وتصديقهم {ويجعل لكم نوراً تمشون به} القرآن واتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو يعلى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات {رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم}».
وأخرج البيهقي في الشعب عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن جبير عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشددوا على أنفسكم فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات».
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه وابن نصر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن الله كتب عليكم صيام شهر رمضان ولم يكتب عليكم قيامه، وإنما القيام شيء ابتدعتموه فدوموا عليه ولا تتركوه، فإن ناساً من بني إسرائيل ابتدعوا بدعة فعابهم الله بتركها وتلا هذه الآية {ورهبانية ابتدعوها}.
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلى والبيهقي في الشعب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ورهبانية ابتدعوها} قال: ذكر لنا أنهم رفضوا النساء واتخذوا الصوامع.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}
أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه أحداً فكانت فيهم جراحات ولم يقتل منهم أحد، فلما رأوا ما بالمؤمنين من الحاجة قالوا يا رسول الله: إنا أهل ميسرة فائذن لنا نجيء بأموالنا نواسي بها المسلمين فأنزل الله فيهم {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} إلى قوله: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا} فجعل لهم أجرين، قال: {ويدرءون بالحسنة السيئة} قال: أي النفقة التي واسوا بها المسلمين فلما نزلت هذه الآية قالوا: يا معاشر المسلمين أما من آمن منا بكتابكم فله أجران ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم} فزادهم النور والمغفرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: لما نزلت {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا} فخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لنا أجران ولكم أجر، فاشتد ذلك على الصحابة فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته} فجعل لهم أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب وسوى بينهم في الأجر.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {يؤتكم كفلين من رحمته} قال: أجرين {ويجعل لكم نوراً تمشون به} قال: القرآن.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {يؤتكم كفلين من رحمته} قال: ضعفين {ويجعل لكم نوراً تمشون به} قال: هدى.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله: {كفلين} قال: أجرين.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {كفلين} قال: حظين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {كفلين} قال: ضعفين.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى في قوله: {كفلين} قال: ضعفين، وهي بلسان الحبشة.
وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله: {يؤتكم كفلين من رحمته} قال: الكفل ثلاثمائة جزء وخمسون جزءاً من رحمة الله.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي قلابة في قوله: {يؤتكم كفلين من رحمته} قال: الكفل ثلاثمائة جزء من الرحمة.
وأخرج ابن الضريس عن سعيد بن جبير {ويجعل لكم نوراً تمشون به} قال: القرآن.
وأخرج عبد بن حميد عن يزيد بن حازم قال: سمعت عكرمة وعبد الله بن أبي سلمة رضي الله عنهما قرأ أحدهما {لئلا يعلم أهل الكتاب} وقرأ الآخر {ليعلم أهل الكتاب}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قسم العمل وقسم الأجر، وفي لفظ: وقسم الأجل، فقيل لليهود: اعملوا فعملوا إلى نصف النهار، فقيل: لكم قيراط، وقيل للنصارى: اعملوا فعملوا من نصف النهار إلى العصر، فقيل: لكم قيراط، وقيل للمسلمين: اعملوا فعملوا من العصر إلى غروب الشمس فقيل: لكم قيراطان، فتكلمت اليهود والنصارى في ذلك، فقالت اليهود: أنعمل إلى نصف النهار فيكون لنا قيراط؟ وقالت النصارى: أنعمل من نصف النهار إلى العصر فيكون لنا قيراط؟ ويعمل هؤلاء من العصر إلىغروب الشمس فيكون لهم قيراطان؟ فأنزل الله: {لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل اللهْ} إلى آخر الآية ثم قال: إن مثلكم فيما قبلكم من الأمم كما بين العصر إلى غروب الشمس».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال: لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} الآية حسدهم أهل الكتاب عليها فأنزل الله: {لئلا يعلم أهل الكتاب} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال: قالت اليهود: يوشك أن يخرج منا نبي فيقطع الأيدي والأرجل، فلما خرج من العرب كفروا فأنزل الله: {لئلا يعلم أهل الكتاب} الآية يعني بالفضل النبوة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قرأ {كي لا يعلم أهل الكتاب} والله أعلم.

1 | 2 | 3